هل سبق ولاحظت أنك بالكاد تستطيع شراء سيارة بنفس المبلغ الذي اشترى به أجدادك منزلاً قبل سنوات عديدة؟ إليك السبب: التضخم. وهو ما يُعرف بزيادة الأسعار مع مرور الوقت، لكنه أكثر من مجرد ارتفاع سعر سلعة أو خدمة واحدة فقط، فهو يشير إلى الزيادة المستمرة في الأسعار عبر القطاعات والصناعات بشكل عام.
عند ارتفاع الأسعار، تنخفض القوة الشرائية لأموالك، مما يعني أن كمية النقود التي تمتلكها لن تشتري لك اليوم ما اشترته بالأمس. بطريقة أخرى، يُقصد بالتضخم أن كل دينار تملكه يمكنه شراء نسبة أقل من السلع والخدمات مع مرور الزمن. فعلى سبيل المثال، كان سعر كرتونة الحليب حوالي 1.50 دينار في عام 2015، لكن في عام 2022 أصبح سعرها حوالي 2.5 دينار.
للأسف، هذا ليس الأثر الوحيد للتضخم. في هذا المقال، سنتحدث عن أحد آثاره الأخرى وهو ارتفاع أسعار الفائدة. لكن أولاً، دعونا نخبركم عن بعض أسباب التضخم:
التضخم الناجم عن التكلفة
يحدث هذا النوع من التضخم عندما يتعطل توريد السلع أو الخدمات ويبقى حجم الطلب عليها كما هو، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار. وعادةً ما تتسبب الكوارث الطبيعية والحروب في عدم قدرة المصنّعين على إنتاج ما يكفي من سلع معينة لمواكبة طلب المستهلكين، فبالتالي يقومون برفع الأسعار، مما يؤدي إلى التضخم.
يعتبر النفط الخام المستخدم في إنتاج البنزين والديزل من السلع التي واجهت نقصاً في العرض مؤخراً، فعندما بدأت جائحة كورونا بالانتشار حول العالم، انخفضت نسبة قيادة السيارات بسبب حظر التجول، مما دعا الشركات المنتجة للنفط لتخفيض إنتاجها، وما أن بدأت القيود بالزوال مع مرور الوقت، حتى ارتفع الطلب مجدداً على وقود السيارات، وكذلك ارتفعت الأسعار.
تسبّبت كل من جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية في ارتفاع أسعار النفط والتضخم الناجم عن التكلفة، حيث أنها أدّت إلى إغلاق بعض مصافي النفط. عادةً في هذه الحالات، يبقى الطلب كما هو، لكن مصافي النفط المنتجة للغاز تقوم برفع أسعارها بسبب عدم امتلاكها ما يكفي من النفط الخام لتحويله إلى وقود.
التضخم الناجم عن الطلب
يحدث هذا النوع من التضخم عندما يزداد الطلب على السلع أو الخدمات ويبقى المعروض منها كما هو، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار. لا تخطئ فهمنا، فقليل من الإنفاق الزائد لا يضرّ! في الواقع، تعتبر الحكومات النمو الثابت في طلب المستهلكين علامة على سلامة الاقتصاد، ولكن إذا تجاوز طلب المستهلكين الطاقة الإنتاجية للمصنّعين، فإن الأسعار سترتفع وسيؤدي ذلك إلى التضخم.
زيادة المعروض النقدي
لنفترض مثلاً أن البنك المركزي الأردني قام بزيادة كمية الأموال المتداولة عن طريق طباعة المزيد من المال، سيكون لديك أنت وغيرك من المستهلكين المزيد من الأموال لإنفاقها، لكن الشركات المصنّعة لسلعٍ مثل الطعام والملابس والسيارات لن تستجيب لرغبة المستهلكين المتزايدة في شراء هذه السلع من خلال إنتاج المزيد، بل ستقوم برفع الأسعار، مما سيجعل المستهلكين غير قادرين على شراء نفس العدد من السلع بنفس المبلغ من المال.
الآن، ما العلاقة بين التضخم وأسعار الفائدة؟
أصبحتَ الآن تعلم أن التضخم يحدث عندما يكون هناك فجوة بين العرض والطلب. بناءً على ذلك، ترفع البنوك المركزية أسعار الفائدة لتقليل الطلب، وبالتالي السيطرة على ارتفاع أسعار سلع معينة.
كيف يساعد رفع أسعار الفائدة في السيطرة على التضخم؟ دعنا نبسّطها لك. سعر الفائدة هو المبلغ الذي تدفعه مقابل اقتراض المال، وقرار رفع أسعار الفائدة يعني أن عملاء البنوك سيفكرون أكثر من مرة قبل الإقدام على طلب قرض سيارة أو منزل، وهذا بدوره سيحد من الطلب على القروض، مما سيؤدي إلى تراجع التضخم.
وبينما يزيد رفع أسعار الفائدة من أعباء القروض الجديدة والقائمة، إلا أنه ضروري لكبح التضخم، فبقاء معدل التضخم مرتفعاً لفترة طويلة سيشكّل مشكلة، وبالتالي يسمح رفع أسعار الفائدة للاقتصاد بالتباطؤ بما يكفي لخفض الأسعار وجعل الوضع الاقتصادي أقل جنوناً.