ماذا يخطر ببالك عند سماع كلمة “علاقة”؟ ربما تخطر ببالك علاقتك بشريك حياتك، أو علاقتك بعائلتك وأصدقائك. لكن ما قد يغيب عن بالك هو علاقتك بكل ما حولك بعيداً عن الأشخاص، مثل علاقتك بالطعام، بالنوم، بالرياضة أو حتى المال مثلاً، فالمال هو رفيقنا المقرّب… إلى أن يفارق جيوبنا!
أولاً، ما هي علاقتك مع المال؟
علاقتك بالمال ليست مجرد الراتب الذي تحصل عليه أو الفواتير التي تدفعها، فالأمر يتعلق بكيفية تفكيرك بالمال ومشاعرك تجاهه، وكيف تساهم هذه الأفكار والمشاعر في طريقة استخدامك للمال.
في هذا المقال، سنساعدك على بناء علاقة سليمة مع المال، لكن عليك أولاً فهم علاقتك الحالية به، والتي يحددها عدة عوامل مثل طريقة تفكيرك، تجاربك المالية في الحياة، والطريقة التي نشأت بها.
لتحصل على صورة أوضح عن طبيعة علاقتك بالمال، أجب على الأسئلة التالية:
- ماذا يعني لك المال؟
ربما يكون هذا هو أهم سؤال مالي عليك الإجابة عليه على الإطلاق، فالمال ليس مجرد أوراقاً نقدية، فهو يمثّل لنا العديد من الأشياء ويرتبط أيضاً بعواطفنا وسلوكياتنا. مثلاً، للبعض، المال يعني الأمان، وللبعض الآخر يعني الحرية أو القوة أو القدرة على رعاية من نحب أو حتى المكانة الاجتماعية، وبالطبع، لك كامل الحرية في تحديد ما يعنيه لك المال.
- هل تشعر بأن المال يتحكم بك أم أنت تتحكم به؟
نحن نعيش في عالم يحكمه المال، فنحن نعمل لكسب المال وننفقه بحكمة لنتمكّن من البقاء وندّخره لتأمين مستقبل جيد. لكن المال ليس هو المشكلة، ما يهم هو طريقة تعاملنا معه. في حالتك، من المُسيطر في علاقتك مع المال؟ إن كنت في قلق دائم بشأن المال، تنفقه بإفراط وتدعه يؤثر على قراراتك ومزاجك ويحدد قيمتك الذاتية، فأنت تدع المال يتحكم بك. أما إن كنت تنفق بحكمة وتستخدم المال كوسيلة لتحقيق أهدافك وتؤمن بأن طريقة استخدامك للمال هي ما تعطيه قيمته، فأنت تتحكم بمالك.
- ماذا ستفعل لو كان لديك المزيد من المال؟
هل تجعلك فكرة امتلاك المزيد من المال تفكّر بكل الأشياء التي يمكنك شرائها، أم بترك وظيفتك وتأسيس مشروعك الخاص، أم بمساعدة من هم أقل حظاً؟ لن نخبرك بأن المال لا يشتري السعادة، فهو بصراحة يشتري بعض السعادة. لكن سنخبرك أن المال لن يحل جميع مشاكلك، وسؤالك لنفسك عمّا ستفعله إذا كان لديك المزيد من المال قد يقودك إلى قرارات جديدة من شأنها تحسين رضاك عن حياتك.
ثانياً، لماذا تُعتبر علاقتك مع المال مهمة؟
سواء لاحظت أم لا، فأنت قمت ببناء علاقة مع المال دون علمك، وعلاقتك بالمال أثّرت على اختيارك لمهنتك وخلقت عادات إنفاق معينة، وحتى أثّرت على مكان تناولك للطعام والنادي الرياضي الذي تذهب إليه. وكأي شيء في حياتك، علاقتك بالمال تتطلّب منك جهداً والتزاماً كبيران، وتتطلب أيضاً التواصل بشفافية مع نفسك. لماذا؟ لأن علاقتك بالمال تلعب دوراً مهماً في تشكيل مستقبلك المالي وتحقيق أهدافك وأخذ قرارات مالية سليمة.
ومع أننا نقضي الكثير من الوقت في التفكير في طرق لكسب المزيد من المال، فإننا نفشل أحياناً في التفكير في علاقتنا بالمال والعمل على تحسينها، على الرغم من أن اهتمامك بعلاقتك مع المال مهم جداً لأنه سيضعك على الطريق الصحيح لبناء مستقبل مالي سليم.
ثالثاً، كيف تغيّر علاقتك بالمال للأفضل؟
من المهم أن تعرف أن تغيير علاقتك بالمال للأفضل سيستغرق وقتاً، وليس هناك طرقاً مختصرة. لكن بقليل من الوقت والجهد وباتّباعك للنصائح التالية، ستبدأ في رؤية الفرق.
1- تخلى عن معتقداتك الخاطئة حول المال
الخطوة الأولى نحو علاقة سليمة مع المال هي التحرر من كل المعتقدات الخاطئة التي تقيّدك، والتي قد تكون اكتسبتها ممن حولك أو شكّلتها بنفسك نتيجة لتجارب سيئة. من هذه المعتقدات الخاطئة هي أن “ادّخار المال صعب” أو أن “الاستثمار للأغنياء فقط”. بمجرّد تحرير نفسك من المعتقدات التي تقيّدك، ستتمكن من تبنّي عادات مالية جديدة من شأنها مساعدتك على بناء مستقبل مالي سليم.
2- ثقّف نفسك مالياً
كيف لك أن تبني علاقة سليمة مع المال إن كنت لا تفهم أساسياته؟ يعتقد أغلب الناس أن الأمور المالية معقدة وصعبة الفهم، لكن هذا غير صحيح. ابدأ بتثقيف نفسك حول كل ما يخص المال منذ نشأته وحتى الآن. من المهم أيضاً أن تتعلم كيفية إدارة المال ووضع الميزانية وأهمية الادّخار، بالإضافة لكل ما يخص القروض والبطاقات البنكية وأنواع الاستثمار.
بإمكانك الاستعانة بوسائل التثقيف المالي التي نقدّمها في بنك الاتحاد، مثل مدوّنتنا التي ستجد فيها مقالات حول كل ما يخص المال. وبودكاست “مالي ومالُك” الذي يهدف إلى تعريفك على أساسيات المال والمعاملات البنكية.
3- لا تقارن نفسك بغيرك
المقارنات ليست عادلة، لن تساعدك، وكل ما ستفعله هو أنها ستشعرك بالإحباط وستعيقك عن الوصول لأهدافك. لذا، تجنب مقارنة دخلك الشهري بما يجنيه صديقك الذي يقود سيارة باهظة الثمن مثلاً، أو أحد أقربائك الذي يسافر إلى بلد تلو الأخرى، فهذا لا يعني أنهم ناجحون وأنت غير ناجح.
4- انتبه إلى مشاعرك عند الإنفاق
تابع نفقاتك وانتبه للمشاعر التي تصاحب كل منها لتتمكن من تحديد أي منها يستحق الإنفاق عليه، وانتبه لكيفية تأثير مشترياتك على مزاجك لتتمكن من تصنيفها إلى فئتين: مشتريات تجعلني سعيد أو مشتريات تجعلني حزين. عندما تفهم كيف تؤثر اختياراتك المالية على صحتك الذهنية والعاطفية، ستتمكن من تغيير طريقة إنفاقك نحو ما يجعلك سعيداً، مثل سداد الديون أو الاستثمار في مغامرة ممتعة أو حتى مساعدة صديق.
5- تذكّر أن المال مجرّد أداة
مثله مثل المطرقة، المال هو أيضاً مجرّد أداة! بإمكانك استخدام المطرقة لبناء سُلّم تصعد عليه إلى طموحاتك، وبإمكانك استخدامها أيضاً لتحطيم السُلّم والبقاء في مكانك. وتماماً كما أنت بحاجة لتعلّم كيفية استخدام المطرقة، أنت أيضاً بحاجة لتعلّم كيفية استخدام المال لبناء الحياة التي تحلم بها. ولأن المال ما هو إلا أداة لمساعدتك على تحقيق أهدافك، حاول أن تركّز على هدفك وكيفية تحقيقه بدلاً من التركيز على كم من المال جمّعت. وحاول أن تقتصر نفقاتك على النفقات التي تساعدك على تحقيق أهدافك وتتماشى معها. مثلاً، إذا كان هدفك أن تتحرر من الديون، ابدأ بالتقليل من النفقات الغير ضرورية لتتمكن من تخصيص المزيد من المال نحو سداد ديونك.
نأمل أن تكون قد استفدت من نصائحنا وقررت البدء في العمل على تحسين علاقتك بالمال. ولا تقلق إن بدا الأمر صعباً في البداية، فهو تماماً كتعلّم أي شيء جديد في الحياة، كلما مارسته كلما أصبح أسهل!